غرفتهما متحف متنوع: الشهيدتان الشقيقتان تتركان وصيتهما على الجدران

-

غرفتهما متحف متنوع: الشهيدتان الشقيقتان تتركان وصيتهما على الجدران
حينما طلبنا الى الحاج عادل تركي ابو عزات والد الشهيدتين هزار ودينا ضحيتا الجريمة الارهابية في شفاعمرو استذكار سيرة كريمتيه هز رأسه واجهش بالبكاء.

وما لبث ان كفكف دموعه وقال" هذا المجرم قطف اجمل زهرتين في بستاني"..!

وإثر تكرار السؤال عليه استنكف ابو عزات عن الكلام وأصر على ان نلقى الجواب داخل غرفتهما وهذا ما كان.

أوفد الاب الثاكل مرافقا من العائلة معنا فمكثنا برهة داخل الغرفة التي بدت متحفا امتلأ بالكثير؛ كتب وصور ودفاتر ما خربشت الشهيدتان فيها اي حرف وايات وحكم دللت على شغفهما بالادب والثقافة.

على الطاولة جلست باعتزاز هدية تذكارية من ايام الدراسة الابتدائية مهداة لاوائل الطلبة من حزيران 1977 ومن فوقها كوفية فلسطينية حملت لون العلم الوطني.

وقد ازدانت جدران الغرفة الصغيرة بالخواطر التي خطتهما دينا وهزار بيراعيهما وبحبر اسود. في تلك الخواطر يجد القارىء كل شيء لكن واحدة سرعان ما استرعت الناظرين وهي تحمل ما يشبه نبوءة استشهادهما بشكل مثير للعجب..
ففوق سريرها كتبت هزار:" يا نائم كيف المنام يطيب الموت حق.. والفراق صعيب.. والله ما كان الفراق بخاطري لكن تقادير الزمن عجيب.." وبجانبها كتب: انا لله وانا اليه راجعون".

وعلى الحائط المقابل خلف السرير اليتيم الآخر برزت خاطرة ذيلت بتوقيع "دينا" وفيها تقول:" جميل ان يشتاق المرء لمن يحب لكن من الصعب ان يجده كلما اشتاق".

ولم تنس هزار والدتها فكتبت إليها فوق سريرها:" يا ريت قلبي شفاف واللي داخلو ينشاف .. عشان اعزك وعليك اخاف"( اهداء الى الام 26.05.04).

كما لم تنس هزار رفيق الحريري الذي وثقت تاريخ استشهاده وقد توجته بعنوان " رجل الحق ابو الفقير وابو اليتيم".وفي صدر الغرفة برزت جدارية بعنوان " دواء لداء" تشرح مواصفات الدواء لاوجاع ألم الذنوب.

في حديث معها قالت شقيقتهما سونيا التي تكبرهما سنا ان محتويات الغرفة تعكس خفة دم وظرافة الشهيدتين اللتين احبتا الحياة وملأتا الدار بالحيوية وروح الفكاهة والتندر، وقد اعتادت كل منهما الرد على الاخرى حينما تناديها او تطلب منها شيئا باللهجة السورية-" تقبري عظامي".

وأضافت" اذكر انه قبل اسبوع من استشهادهما طلبت والدتي من دينا قراءة رسالة تحمل دعوة للمشاركة في حفل زفاف من اصدقاء لنا وعندها قرأت دينا على مسامعنا: " بسم الله الرحمن الرحيم ..انا الموقعة ادناه الشهيدة دينا عادل تركي ادعوكم الى عدم البكاء علي.."
اما الأب الثاكل وهو والد لثلاثة بنات وولدين الان، فروى لنا بقلب مكلوم انه احب هزار ودينا المدلللتين بشكل خاص كونهما " اخر العنقود" واضاف" كانتا كالتوأم لا تفارقان بعضهما بالحياة وها هما غادارا الى جنات الخلد سوية. في كل مرة كنت اعود من العمل عند المساء كانتا تهجمان علي بالعناق والكلمات الطيبة فكنت اطلب منهما الانتظار ريثما اخلع ملابس العمل واغتسل فكانتا تسارعان للقول: هذه ملابس الشرف".

واضاف ابو عزت انه كان يتمنى ان تظلا صغيرتين حتى يموت كي يحتفظ بحبه الكبير لهما".

وفي اليوم الثامن للجريمة تمنى والد الشهيدتين استمرار فتح بيت العزاء القائم في بيت شقيقته في شفاعمرو وابدى خوفه من العودة لمنزله واضاف بصوت مختنق" كل الناس سيعودون الى اعمالهم والى ما سيشغلهم اما انا فساعود وحدي الى المنزل وارى غرفتهما وامثل امام صورهما كل صباح".

واوضح ابو عزت انه ورغم الألم الكبير اهتم بتعزية الاهالي الذين قدموا من الضفة الغربية لتعزيته منذ "الخميس الأسود "، واضاف" كنت اقول لهم ان مصيبتهم اكبر واشد فالموت يطرق ابواب منازلهم كل يوم نتيجة فظائع الاحتلال.

وقد ابلغت المسؤولين الاسرائيليين من وزير الدفاع وغيره وجهة نظري حول مسؤولية الاحتلال في اراقة دم ابنتي الحبيبتين".

وقال شقيق الشهيدتين، عزت، انه لم يفهم حتى الان لماذا بادرت هزار ودينا قبل نحو الشهر الى طلاء غرفتهما بالدهان وازالة اغاني كاظم الساهر واستبدالها بكتابات فيها مواعظ وحكم من تأليفهما ومن نتاج الاخرين.
.

التعليقات